احوال السلف مع اسماء الله

عبودية الصبر والرضى بحكمه والاستسلام لأمره

 

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «من صحت له معرفة ربه والفقه في أسمائه وصفاته علم يقينًا أن المكروهات التي تصيبه والمحن التي تنزل به فيها من ضروب المصالح التي لا يحصيها علمه ولا فكرته» (تاريخ بغداد 7/325).

قال المبرد: «قيل للحسن بن علي: إن أبا ذر يقول: الفقر أحب إلي من الغنى، والسقم أحب إلي من الصحة، فقال: رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن شيئًا. وهذا حدُّ الوقوف على الرضا بما تصرف به القضاء» (سير أعلام النبلاء 3/262).

 

وعن مكحول الأزدي، قال: سمعت ابن عمر - رضي لله عنهما - يقول: «إن الرجل يستخير الله تبارك وتعالى؛ فيختار له فيسخط على ربه - عز وجل -! فلا يلبث أن ينظر في العاقبة فإذا هو خير له» (الزهد لابن المبارك ص 32).

 

اجتمع وهيب بن الورد، وسفيان الثوري، ويوسف بن أسباط. فقال الثوري: «قد كنت أكره موت الفجاءة قبل اليوم، وأما اليوم: فوددت أني ميت، فقال له يوسف بن أسباط: ولم؟ فقال: لما أتخوف من الفتنة.

 

فقال يوسف: لكني لا أكره طول البقاء. فقال الثوري: ولم تكره الموت؟ فقال: لعلي أصادف يومًا أتوب فيه وأعمل صالحًا. فقيل لوهيب: أي شيء تقول أنت ؟ فقال: أنا لا أختار شيئًا؛ أحب ذلك إليَّ أحبه إلى الله.

 

فقبَّل الثوري بين عينيه. وقال: روحانية ورب الكعبة» (مدارج السالكين 2/215).

عبودية الشكر له - عز وجل - والحياء منه سبحانه

عن علي بن عبد الرحمن قال: «كتب بعض الحكماء إلى أخٍ له: أما بعد يا أخي، فقد أصبح بنا من نعم الله - عز وجل - ما لا نحصيه مع كثرة ما نعصيه، فما ندري أيها نشكر: أجميل ما ظهر أم قبيح ما ستر»؟(الشكر لابن أبي الدنيا ص 194) .

 

وعن بكر بن عبدالله المزني قال: «لقيت أخًا لي من إخواني الضعفاء، فقلت: يا أخي أوصني، فقال: ما أدري ما أقول، غير أنه ينبغي لهذا العبد أن لا يفتر عن الحمد والاستغفار، وابن آدم بين نعمة وذنب، ولا تصلح النعمة إلا بالحمد والشكر، ولا الذنب إلا بالتوبة والاستغفار. قال: فأوسعني علمًا ما شئتُ»(الشكر لابن أبي الدنيا ص 150).

 

وعن عبدالله بن الحسن السكري البغدادي قال: «سمعت علي بن خشرم يقول: كتب إليّ بشر بن الحارث أبو نصر: إلى أبي الحسن علي ابن خشرم: السلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإني أسأل الله أن يتم ما بنا وبكم من نعمة، وأن يرزقنا وإياكم الشكر على إحسانه، وأن يميتنا ويحيينا وإياكم على الإسلام، وأن يسلم لنا ولكم خلفًا من تلف، وعوضًا من كل رزية»(حلية الأولياء 8/341).

 

وعن سليم بن منصور بن عمار قال: «سمعت أبي يقول: دخلت على المنصور أمير المؤمنين، فقال لي: يا منصور عظني وأوجز. فقلت: إن من حق المنِعم على المنعَم عليه أن لا يجعل ما أنعم به عليه سببًا لمعصيته. فقال: أحسنت وأوجزت»(تاريخ دمشق 60/340).

 

وعن أبي عبد الله الرازي قال: «قال لي سفيان بن عيينة: يا أبا عبد الله إن من شُكر الله على النعمة أن نحمده عليها، ونستعين بها على طاعته فما شكر الله من استعان بنعمته على معصيته» (تاريخ بغداد /158).

عبودية الخوف منه - عز وجل - والخشية من عقابه

 

عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دخل على عمر رضي الله عنه حين طعن فقال: «أبشر يا أمير المؤمنين، أسلمت مع رسول الله حين كفر الناس، وقاتلت مع رسول الله حين خذله يعني الناس، وتوفى رسول الله وهو عنك راض، ولم يختلف في خلافتك رجلان، فقال عمر: أعد، فأعدت فقال عمر: المغرور من غررتموه، لو أن لي ما على ظهرها من بيضاء وصفراء لافتديت به من هول المطلع» (تاريخ بغداد 7/325).

 

وعن أبي زكريا يحيى بن معاذ الرازي قال: «مسكين ابن آدم لو خاف النار كما يخاف الفقر دخل الجنة» (تاريخ بغداد 13/357).

 

عن أبي عبد الرحمن الأسدي قال: «قلت: لسعيد بن عبد العزيز ما هذا البكاء الذي يعرض لك في الصلاة؟ فقال: يا ابن أخي وما سؤالك عن ذلك؟ قلت: لعل الله أن ينفعني به، فقال: ما قمت إلى صلاة إلا مثلت لي جهنم». وقال إسحاق بن إبراهيم: «كنت أسمع وقع دموع سعيد بن عبد العزيز على الحصير في الصلاة» (سير أعلام النبلاء 3/262).

عبودية المراقبة والإخلاص لله - عز وجل - والحياء منه سبحانه

 

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «وإذا تجلَّى سبحانه بصفة السمع والبصر والعلم، انبعث من العبد قوة الحياء، فيستحي من ربه أن يراه على ما يكره، أو يسمع منه ما يكره، أو يُخفي في سريرته ما يمقته عليه، فتبقى حركاته وأقواله وخواطره موزونة بميزان الشرع غير مهملة ولا مرسلة تحت حكم الطبيعة والهوى» (طريق الهجرتين ص 134).

قال أحمد بن أبي الحواري: «صـحبت أبا سـليمان طول ما صحبته فما انتفعت بكلمة أقوى علي وأهـدى لرشـدي، وأدل على الطـريق من هذه الكلمة، قلت له في ابتداء أمري: أوصني. فقال: أمستوص أنت؟ قلت: نعم إن شاء الله. قال: خالف نفسك في كل مراداتها؛ فإنها الأمّارة بالسوء، وإياك أن تـحقر أحـدًا مـن المسـلمين، واجـعل طاعة الله دثارًا، والـخوف منه شـعارًا، والإخـلاص زادًا، والصدق جُنةً، واقبل مني هذه الكلمة الواحدة ولا تفارقها ولا تغفل عنها: إنه من اسـتحيا من الله - عز وجل - في كل أوقاته وأحـواله وأفعاله بلّغه إلى مقام الأولياء من عباده، فجعلت هذه الكلمات أمامي، ففي كل وقت أذكرها وأطالب نفسي بها» (تهذيب الكمال 1/373).

 

صام داود الطائي أربعين سنة ما علم به أهله، وكان خرازًا، وكان يحمل غداءه معه، ويتصدق به في الطريق، ويرجع إلى أهله يفطر عشاء لا يعلمون أنه صائم (تاريخ بغداد 8/243).

 

وعن عبد الله بن مبارك قال: «قيل لحمدون بن أحمد: ما بال كلام السـلف أنفع من كلامنا قال: لأنهـم تكلَّموا لعِزّ الإسـلام ونـجاة النفـوس ورضـا الرحمن، ونـحن نتكلم لعز النفـوس وطـلب الدنيا ورضا الخلق» (صفة الصفوة 4/122).

يروى أن ابن عمر - رضي الله عنهما - لقي غلامًا يرعى الغنم، «فسأله أن يبيعه رأسًا منها، فقال الغلام: الغنم ليست لي، كما أن صاحبها لم يأذن لي ببيعها، قال ابن عمر: فبعني رأسًا منها واحتفظ بالثمن لنفسك وقل لصاحبها إن ذئبًا قد اختطفها ، قال الراعي: فأين الله إذًا».

عبودية الإجلال والتعظيم والأدب مع الله عز وجل

 

قال هرم بن حيان لأويس القرني: أوصني. قال: توسّد الموت إذا نمت، واجعله نصب عينيك، وإذا قمت فادع الله أن يصلح لك قلبك ونيتك، فلن تعالج شيئًا أشد عليك منهما؛ بينا قلبك معك ونيتك إذا هو مدبر، وبينا هو مدبر إذا هو مقبل، ولا تنظر في صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت (صفة الصفوة 3/55).

 

وقال سليمان بن عبد الملك: «يا أبا حازم أوصني. قال: نعم، سوف أوصيك وأوجز: نزّه الله تعالى وعظّمه أن يراك حيث نهاك، أو يفقدك حيث أمرك. ثم قام، فلما ولى قال: يا أبا حازم هذه مائة دينار، أنفقها، ولك عندي أمثالها كثير، فرمى بها وقال: والله ما أرضاها لك فكيف أرضاها لنفسي، إني أعيذك بالله أن يكون سؤالك إياي هزلاً وردّي عليك بذلاً» (حلية الأولياء 3/234).

 

وقال أبو حفص: «حسن الأدب في الظاهر عنوان حسن الأدب في الباطن، فالأدب مع الله حسن الصحبة معه، بإيقاع الحركات الظاهرة والباطنة على مقتضى التعظيم والإجلال والحياء. كحال مجالس الملوك ومصاحبتهم» (مدارج السالكين 2/376).

 

وكتب عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى - إلى بعض عمّاله: «أما بعد، فقد أمكنتك القدرة من ظلم العباد، فإذا هممت بظلم أحد فاذكر قدرة الله عليك، واعلم أنك لا تأتي إلى الناس شيئًا إلا كان زائلاً عنهم باقيًا عليك، واعلم أن الله - عز وجل - آخذٌ للمظلومين من الظالمين والسلام»(إحياء علوم الدين 4/55).

 

وقال الباجي: «خرج السلطان أيوب في يوم العيد في أبهة الملك، وأخذت الأمراء تقبل الأرض، فالتفت إليه الشيخ العز بن عبد السلام وناداه يا أيوب، ما حجتك عند الله إذا قال لك: ألم أبوئ لك ملك مصر ثم تبيح الخمور؟

 

فقال السلطان: هل جرى هذا؟

 

قال العز: نعم وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة؛ يناديه بأعلى صوته والعساكر واقفون.

 

فقال السلطان: يا سيدي، هذا أنا ما عملته، هذا من زمان أبي.

 

فقال العز: أنت من الذين يقولون: إنا وجدنا آباءنا على أمة؟!

 

فأمر السلطان بإبطال تلك الحانة.

 

فسأله الباجي: أما خفته؟ قال العز: والله يا بني، استحضرت هيبة الله تعالى، فصار السلطان قدامي كا....»(طبقات الشافعية 8/211، 212).

عبودية التوكل على الله عز وجل وصدق التعلق به سبحانه

 

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «إن التوكل حال مركبة من مجموع أمور لا تتم حقيقة التوكل إلا بها... فأول ذلك: معرفة بالرب وصفاته من قدرته وكفايته وقيوميته وانتهاء الأمور إلى علمه وصدورها عن مشيئته وقدرته. وهذه المعرفة أول درجة يضع بها العبد قدمه في مقام التوكل.

 

عن محمد بن حماد بن المبارك قال: قال رجل لمعروف: أوصني قال: توكل على الله حتى يكون جليسك وأنيسك وموضع شكواك، وأكثر ذكر الموت حتى لا يكون لك جليس غيره، واعلم أن الشفاء لما نزل بك: كتمانه، وأن الناس لا ينفعونك ولا يضرونك، ولا يعطونك ولا يمنعونك (مدارج السالكين 2/117، 118).

 

وعن عبد الله بن خبيق قال: سمعت إبراهيم البكاء يقول: قلت لمعروف الكرخي: أوصني. فقال: توكل على الله - عز وجل - حتى يكون هو مُعلّمُك وموضع شكواك؛ فإن الناس لا ينفعونك ولا يضرونك (صفة الصفوة 2/321).

 

وقيل لحاتم الأصم على ما بنيت أمرك في التوكل؟ قال: على خصال أربع: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتي بغتة فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله فأنا مستحيي منه (شعب الإيمان 2/111).

محبة الله – عز وجل – والأنس به

 

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «وأما محبة الرب سبحانه فشأنها غير هذا الشأن، فإنه لا شيء أحب إلى القلوب من خالقها وفاطرها، فهو إلهها ومعبودها، ووليها ومولاها، وربُّها ومدبرها ورازقها، ومميتها ومحييها، فمحبته نعيم النفوس، وحياة الأرواح، وسرور النفوس، وقوت القلوب، ونور العقول، وقرة العيون، وعمارة الباطن. فليس عند القلوب السليمة والأرواح الطيبة، والعقول الزاكية أحلى، ولا ألذ، ولا أطيب، ولا أسر، ولا أنعم من محبته والأنس به، والشوق إلى لقائه، والحلاوة التي يجدها المؤمن في قلبه بذلك فوق كل حلاوة، والنعيم الذي يحصل له بذلك أتَمُّ من كل نعيم، واللذة التي تَناله أعلى من كل لذة.

 

سأل رجل الفضيل بن عياض فقال: يا أبا علي، متى يبلغ الرجل غايته من حب الله تعالى؟ فقال له الفضيل: «إذا كان عطاؤه ومنعه إياك عندك سواء فقد بلغت الغاية من حبه» (الحلية 8/113).

 

قال عامـر بن عبدالله: «أحـببت الله - عز وجل - حبًا سهَّل عليَّ كل مصيبة، ورضَّاني في كل قضية، فما أبالي مع حـبي إياه ما أصـبحت عليه وما أمسيت» (حلية الأولياء 2/89).

 

قوة الرجاء في الله - عز وجل- والطمأنينة إلى روحه سبحانه وحسن الظن به

 

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «فقوة الرجاء على حسب قوة المعرفة بالله سبحانه وأسمائه وصفاته، وغلبة رحمته غضبه، ولولا روح الرجاء لعطلت عبودية القلب والجوارح..، بل لولا روح الرجاء لما تحركت الجوارح بالطاعة ولولا ريحه الطيبة لما جرت سفن الأعمال في بحر الإرادت» (حلية الأولياء 2/89).

 

لما حضر معاذ بن جبل رضي الله عنه الموت قال: «انظروا أصبحنا؟ فأُتيَ فقيل: لم تصبح، فقال: انظروا أصبحنا؟ فأتى فقيل له: لم تصبح حتى أتى في بعض ذلك فقيل: قد أصبحت. قال: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار، مرحبًا بالموت مرحبًا، زائر مغب، حبيب جاء على فاقة، اللَّهم إني قد كنت أخافك فأنا اليوم أرجوك، اللَّهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالرُّكب عند حلق الذكر (الجواب الكافي ص 36 - 37).

 

عن معاذ بن معاذ قال: «ما رأيت أحدًا أعظم رجاء لأهل الإسلام من ابن عون؛ لقد ذكر له الحجاج وأنا شاهد فقيل: إنهم يزعمون أنك مستغفر للحجاج فقال: ما لي لا أستغفر للحجاج من بين الناس؟ وما بيني وبينه؟ وما كنت أُبالي أن أستغفر له الساعة قال معاذ: وكان إذا ذكر عنده الرجل بعيب قال: إن الله تعالى رحيم» (حلية الأولياء 1/239).

 

قال محمد بن يحيى الذهلي: «سألت الخريبي عن التوكل، فقال: أرى التوكل حسن الظن بالله عز وجل» (حلية الأولياء 3/41).

 

عاد حماد بن سلمة سفيان الثوري فقال سفيان: «يا أبا سلمة، أترى الله يغفر لمثلي؟ فقال حماد: والله لو خيرت بين محاسبة الله إياي وبين محاسبة أبوي لاخترت محاسبة الله، وذلك لأن الله أرحم بي من أبوي» (سير أعلام النبلاء 9/349).

تعبد الله - عز وجل - بسلامة القلب وزكاته وطمأنينته

 

يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى - في تعريف القلب السليم: «اعلم أن «التسليم» هو الخلاص من شبهةٍ تعارض الخبر، أو شهوةٍ تعارض الأمر، أو إرادة تعارض الإخلاص، أو اعتراضٍ يعارض القدر والشرع.

 

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «ذروة الإيمان: الصبر للحكم، والرضى بالقدر، والإخلاص في التوكل، والاستسلام للرب - عز وجل -» (حلية الأولياء 1/216).

 

ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «خير ما ألقي في القلب اليقين» (حلية الأولياء 1/138).

 

وقال ابن رجب رحمه الله تعالى: «وقد استحسن الإمام أحمد ما حكي عن حاتم الأصم أنه قيل له: أنت رجل أعجمي لا تفصح، وما ناظرك أحد إلا قطعته؛ فبأي شيء تغلب خصمك؟ فقال: بثلاث: أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن إذا أخطأ، وأحفظ لساني عنه أن أقول له ما يسوؤه؛ أو معنى هذا، فقال أحمد: ما أعقله من رجل» (الفرق بين النصيحة والتعيير ص 32).

تعبد الله - عز وجل - بخلق الكرم والجود والسخاء والإحسان إلى عباد الله والحلم والعفو عنهم

 

قال ابن عُيَيْنة: «دخل هشام الكعبة فإذا هو بسالم بن عبد الله، فقال: سَلْني حاجةً؛ قال: إنِّي أستحيي من الله أنْ أسألَ في بيته غَيْرَه؛ فلمَّا خرجا قال: الآن فسلني حاجةً فقال له سالم: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ فقال: من حوائج الدنيا قال: والله ما سألتُ الدُّنيا من يَمِلكُها، فكيف أسألُها مَنْ لا يملِكُها» (حلية الأولياء 8/84).

 

قال المأمون لمحمد بن عباد المهلبي: «أبا محمد بلغني أنه لا يقدم أحد البصرة إلا أدخل دار ضيافتك قبل أن يتصرف في حاجاته، فكيف تسع هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين منع الموجود سوء ظن بالمعبود. فاستحسنه منه، وأوصل إليه المأمون ما مبلغه ستة آلاف ألف درهم، ومات وعليه خمسون ألف دينار دينًا» (تاريخ بغداد 12/342).

 

وعن عبد الصمد قال: «سمعت الفضيل بن عياض يقول: إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلاً، فقل: يا أخي، اعف عنه، فإن العفو أقرب للتقوى؛ فإن قال: لا يحتمل قلبي العفو، ولكن انتصر كما أمرني الله - عز وجل - قل: فإن كنت تحسن تنتصر مثلاً بمثل، وإلا فارجع إلى باب العفو، فإنه باب أوسع، فإنه من عفا وأصلح، فأجره على الله، وصاحب العفو: ينام الليل على فراشه، وصاحب الانتصار: يقلب الأمور» (حلية الأولياء 8/112).

 

قال أبو عُمر بنُ عبد البَرُ: روينا أنَّ جاريةً لصَفِيَّةَ أتت عمر بن الخطاب، فقالت: «إن صَفِيَّةَ تُحب السبت، وتَصِلُ اليهود. فبعث عُمُر يسألُها، فقالت: أما السبتُ، فلم أحِبَّه مُنذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهودُ، فإنَّ لي فيهم رَحِمًًا، فأنا أصِلُها، ثم قالت للجارية: ما حَمَلَكِ على ما صَنَعْتِ؟ قالت: الشيطان، قالت: فاذهبي فأنت حرة» (سير أعلام النبلاء 2/232).

تعبد الله - عز وجل - بخلق التواضع وترك الكبر والتعالي على الخلق

 

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «إن التواضع يتولد من بين العلم بالله سبحانه ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله وتعظيمه ومحبته وإجلاله، ومن معرفته بنفسه وتفاصيلها وعيوب عملها وآفاتها.

 

فيتولّد من بين ذلك كلِّه خلقٌ هو التواضع؛ وهو: انكسار القلب لله؛ وخفض جناح الذلِّ والرحمة بعباده، فلا يَرى له على أحدٍ فضلاً؛ ولا يَرى له عند أحدٍ حقًا، بل يرى الفضل للناس عليه؛ والحقوق لهم قِبَلَه، وهذا خُلقٌ إنما يُعطيه الله - عز وجل - من يُحبُّه ويُكرمه ويُقرِّبه» (مدارج السالكين 2/292).

 

عن جبير بن نفير أن نفرًا قالوا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: «والله، ما رأينا رجلاً أقضى بالقسط، ولا أقول بالحق، ولا أشد على المنافقين منك يا أمير المؤمنين، فأنت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال عوف بن مالك: كذبتم والله، لقد رأينا خيرًا منه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: من هو يا عوف؟ فقال: أبو بكر؛ فقال عمر: صدق عوف، وكذبتم؛ والله لقد كان أبو بكر أطيب من ريح المسك، وأنا أضل من بعير أهلي» (تاريخ بغداد 5/134).

 

وعن يونس بن عبيد: «أن الحسن سئل عن القائلين في المسجد، فقال: رأيت عثمان بن عفان يقيل في المسجد، وهو يومئذ خليفة؛ قال: ويقوم، وأثر الحصى بجنبه؛ قال: فيقال: هذا أمير المؤمنين، هذا أمير المؤمنين» (حلية الأولياء 1/60).

 

وعن مَعْمر، عن أيوب، عن نافع، أو غيره، أن رجلاً قال لابن عُمر: « يا خيرَ الناس، أو ابنَ خيرِ الناس، فقال: ما أنا بخير الناس، ولا ابن خير الناس، ولكني عبدٌ من عباد الله، أرجو الله، وأخافُه، والله لن تزالوا بالرجل حتى تُهِلكُوه» (سير أعلام النبلاء 3/236).

 

«ومر الحسن على صبيان معهم كِسرَ خبز، فاستضافوه، فنزل فأكل معهم، ثم حملهم إلى منزله، فأطعمهم وكساهم، وقال: اليد لهم، لأنهم لا يجدون شيئًا غير ما أطعموني، ونحن نجد أكثر منه» (صفة الصفوة 3/248).

تعبد الله - عز وجل - بالشجاعة في الحق والاستهانة بالباطل

 

إن تعظيم الله - عز وجل - والخوف منه وحده، وشهود قهره وعلوه وإحاطته ومراقبته وعزته وقوته وربوبيته، وولايته، ونصره، ووعده ووعيده كل ذلك يثمر في القلب الشجاعة والثبات على الحق والنصيحة في سبيل الله - عز وجل - والاستهانة بالباطل وأهله، لأنهم في قبضة الله - عز وجل - وتحت قهره وملكه وسلطانه.

 

وعن أبي المنذر إسماعيل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الرحمن العمري يقول: إن من غفلتك إعراضك عن الله بأن تَرى ما يُسخطه فتجاوزه، ولا تأمر ولا تنهَى خوفًا ممن لا يملك ضُرّاً ولا نفعًا.

 

وقال سمعته يقول: «من ترك الأمر بالمعروف والنهيَ عن المنكرَ من مخافة المخلوقين نُزِعت منه هيبةُ الله تعالى، فلو أمر بعض ولده أو بعض مواليه لاستخفّ به»(صفة الصفوة 1/672).

تعبد الله - عز وجل - بالافتقار إليه وكثرة دعائه وذكر الثناء عليه

 

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، قال: وكان إذا صلى الفجر يجلس في مكانه يذكر الله تعالى حتى يتعالى النهار جدًا، وكان إذا سئل عن ذلك يقول: هذه غدوتي ولو لم أتغد هذه الغدوة سقطت، وقال لي مرة: لا أترك الذكر إلا بنية إجمام النفس وإراحتها لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر أو كلام هذا معناه» (الرد الوافر ص 69).

 

ويقول أيضًا: «وشهدت شيخ الإسلام - قدس الله روحه - إذا أعيته المسائل واستعصت عليه فر منها إلى التوبة والاستغفار، والاستعانة بالله واللجأ إليه، واستنزال الصواب من عنده، والاستفتاح من خزائن رحمته فقلما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدًا، وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه بأيتهن يبدأ» (إعلام الموقعين 4/172).

 

وقال الحسن البصري رحمه الله: «تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، وفي الذكر، وقراءة القرآن، فإن وجدتم... وإلا فاعلموا أن الباب مغلق» (مدارج السالكين 2/424).

 

ويقول مطرف بن عبد الله الشخير رحمه الله تعالى: «تذاكرت ما جماع الخير فإذا الخير كثير: الصيام والصلاة وإذا هو في يد الله، وإذا أنت لا تقدر على ما في يد الله إلا أن تسأله فيعطيك فإذا جماع الخير الدعاء»(الإبانة لابن بطه 2/195).

 

وقال بعض الشيوخ: «إنه ليكون لى إلى الله حاجة فأدعوه فيفتح لي من لذيذ معرفته وحلاوة مناجاته ما لا أحب معه أن يعجل قضاء حاجتي خشية أن تنصرف نفسي عن ذلك» (مجموع الفتاوى 10/333).


العودة